نقلا عن موقع الحرة
على الرغم من تصاعد المخاوف بعد إعلان انتهاء المهام القتالية للقوات الأميركية في العراق، من احتمال تنامي نفوذ طهران في هذا البلد، يرى مراقبون أن واشنطن بعثت "رسالة" عبر "تغيير المهام" مفادها أن الولايات المتحدة لن تترك العراق بالكامل.
وأعلن العراق الأسبوع الماضي نهاية "المهام القتالية" لقوات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن على أراضيه، وتحل مهمتها إلى التدريب والاستشارة حصرا.
وبموجب هذا الإعلان سيبقى نحو 2500 جندي أميركي وألف جندي من قوات التحالف في العراق، لكنها غير قتالية ويقتصر دورها على الاستشارة وتدريب قوات الأمن العراقية.
وقال التحالف الدولي إن "القوات العراقية العاملة في القواعد العراقية ستعمل على حماية أفراد التحالف المدعوين كضيوف. وبينما لن يكون لأفراد التحالف أي دور قتالي، فإنهم يحتفظون بالحق الطبيعي في الدفاع عن النفس".
لم يغير هذا الإعلان كثيرا في الوضع على أرض الواقع، إلا أنه أساسي بالنسبة للحكومة العراقية التي تعطيه أهمية كبرى بمواجهة تهديدات فصائل عراقية موالية لإيران تطالب بمغادرة كافة القوات الأميركية البلاد.
ويقول الزميل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بلال وهاب إن ما جرى هو "تغيير مهام وليس انسحاب أو تقليص لعدد القوات، فالجنود باقون نفسهم لكن مهامهم ستتغير فقط".
ويضيف وهاب لموقع "الحرة" أن "هناك تفهم أميركي لعدم تكرار خطأ الانسحاب الذي جرى في 2011، وعدم خلق فراغ جديد يمكن أن تملأه جهات لا تريد الخير للعراق وعلى رأسها إيران".
يرى وهاب أن "وجود قوات أميركية في العراق يحمل مغزا سياسيا يتمثل في استمرار الالتزام الأميركي في العراق وضمان أمنه".
من الجانب العسكري، يعتقد بلال أن 2500 جندي أميركي لا يشكلون ثقلا كبيرا أو عامل ردع لطهران، لكنه بالنهاية يعني أن الولايات المتحدة تريد ضمان أن لا يخضع العراق بالكامل للنفوذ الإيراني".
وفي الأشهر الأخيرة استهدفت عشرات الهجمات الصاروخية أو الهجمات بالقنابل بطائرات بدون طيار القوات الأميركية ومصالح أميركية في العراق. ولا يتم تبني هذه الهجمات لكن تنسبها الولايات المتحدة إلى فصائل موالية لإيران.
ويطالب الحشد الشعبي وهو تحالف فصائل شيعية منضوية في الدولة ولديها حضور سياسي فاعل وحليفة لطهران، بقوة برحيل القوات الاميركية.
لكن من غير المحتمل أن تعمد طهران لزيادة التصعيد في العراق، في الوقت الذي تخوض فيها مفاوضات مع الولايات المتحدة ودول الغرب لإحياء الاتفاق الذي أبرم العام 2015 بشأن الملف النووي الإيراني.
يقول المحلل السياسي العراقي رعد هاشم إن "ميول إيران حاليا تنصب على الجانب الاقتصادي، هي لا تركز حاليا على ملف الأمن".
ويضيف هاشم في حديث لموقع "الحرة" أن "المؤشرات الحالية تشير إلى أن توصي ميليشياتها في العراق بأن لا تصعد كثيرا مع الإبقاء على ثوابتها المتمثلة بالجانب الدعائي للميليشيات بالضغط على الأميركيين للخروج".
ويتابع "لكن مع عدم التصعيد أو إحداث مشكلة مع المجتمع الدولي ودول الجوار في الوقت الحاضر.. هي تناور في الأهداف من خلال التصعيد في اليمن مثلا، لكنها تخفف ذلك في العراق ولبنان".
ويرى هاشم أن "طهران قرأت أن المجتمع الدولي يركز على مباركة الانتخابات في العراق وتأييد النتائج وبالتالي هي لا تريد أن تعكر المزاج السياسي الدولي كثيرا من خلال التصعيد في العراق بالتزامن مع المفاوضات بشأن الاتفاق النووي".
ويشير هاشم إلى أن الإيرانيين يراقبون الخطوة الأميركية المتمثلة بإنهاء المهام القتالية، وترى ان من مصلحتها التهدئة كرد فعل على الخطوة الأميركية".
يقول هاشم إن "أي انسحاب أميركي أو تغيير في طبيعة قواتهم في العراق، يجب أن يقابله ابتعاد عن التدخل او تخفيف النفوذ في العراق، هذا ما يراه الإيرانيين حاليا".
بالمقابل يتفق وهاب مع هذا الطرح ويرى أن "إيران لم تعلق لغاية اليوم على اعلان تغيير مهام القوات الأميركية في العراق، وهذا أمر لافت".
ويضيف أن هذا قد "يؤشر إلى احتمال وجود تفاهم ضمني لتخفيف حدة التوتر في العراق".
بالنسبة لكبير المحللين في معهد نيولاينز الأميركي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية نيكولاس هيراس فإن الولايات المتحدة تحتفظ "بالدور العسكري نفسه في العراق"، لكن ما يتغير هو "الرسالة".
يقول هيراس لفرانس برس إن "البيئة السياسية والأمنية في العراق متوترة للغاية لدرجة أن إدارة بايدن تريد من الولايات المتحدة أن تبقى بعيدة عن الأضواء وتتجنب الأزمات، خصوصا مع إيران".
ومؤخرا رفعت بعض الشبكات المقربة من الفصائل الموالية لإيران سقف تهديداتها على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بانسحاب أميركي كامل، رغم أنه لم يطرح من قبل.
ويرى هيراس أن تغيير الخطاب بشأن "الوجود العسكري الأميركي في العراق" يعكس أيضا واقعا جديدا مفاده أن "قوات الأمن العراقية لديها قدرات أكبر من ذي قبل لمواجهة تنظيم داعش.
ويرى وهاب أن "إيران وأذرعها تريد فصل العراق بالكامل عن المجتمع الدولي، لكن إبقاء قوة أميركية صغيرة يمثل نواة لعلاقات متوازنة مع الجميع".
ويشير إلى أن "الانسحاب الكامل للقوات الأميركية يعني انسحاب كل القوات الأجنبية بما فيها حلف الناتو، وهذا لا يصب في مصلحة العراق، لأن بقاءهم يعني استمرار الدعم الدولي للعراق".
بالمقابل خلص تحليل نشر هذا الأسبوع لمعهد دراسات الحرب ومقره واشنطن أن "إيران وحلفائها سيواصلون حملتهم لطرد الولايات المتحدة من العراق والشرق الأوسط".
وقال التحليل الذي كتبته الباحثة في المهد كاثرين لولر إن "الميليشيات المدعومة من إيران ستشن بانتظام هجمات على القوات والمنشآت الأميركية لتحفيز الانسحاب الأميركي الكامل من العراق وربما المنطقة بأكملها، وكلاهما من الأهداف الإيرانية الأساسية".
ومع ذلك، تحذر لولر من "السيناريو الأكثر خطورة" المتمثل باحتمال اتخاذ قادة الميليشيات العراقية قرارات من دون التنسيق مع طهران "ويشنوا هجمات" على المصالح الأميركية في العراق.
تقول الكاتبة أن هذه الخطوة "قد تعني خطر حدوث تصعيد غير محسوب بين الولايات المتحدة وإيران".
ويرى التحليل أن "الرد على هجمات وكلاء إيران التي تهدد القوات الأميركية والمنشآت داخل العراق يعد عنصرا ضروريا لردع طهران وشبكة الميليشيات التي تعمل بالوكالة عنها".